يكرّر التيار الوطني الحر نفسه عند كل استحقاق حكومي، فيحوّل معركته الوزارية المسيحية المفترضة الى معركة على... حقيبة. هذا ما حصل في حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، على وزارة الاتصالات، وفي حكومة الرئيس سعد الحريري على وزارة الطاقة، وعلى الوزارة الأخيرة نفسها في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي. هكذا تغرق مطالب العونيين المحقّة بتحسين التمثيل المسيحي في بروباغندا التيار السيئة لنفسه عبر اختصار أسباب عرقلته الحكومية ــــ على الأقل اعلامياً ــــ بحقيبة واحدة. ولا ضير من المقارنة هنا بين حُسن تسويق حزب القوات لـ «مبدئيته» مقابل سوء تسويق العونيين لدفاعهم عن حقوق المسيحيين، ما يجعل من التيار هدفاً سهلاً لخصومه.
يردّ بعض العونيين فشل تيارهم في اظهار أهدافه الحقيقية الى أداء اعلامي سيئ يظهره متلهّياً بقشور المكاسب لتصبح هي، لا المطالب الرئيسية، أساساً في النقاش مع الأفرقاء. وبين القشور والمطالب، هناك ما لا تدركه الا الدائرة البرتقالية الضيقة. يتبدلّ الحديث هنا ليتعدّى مسألة حقيبة الطاقة الى مستقبل المسيحيين برمته. فـ «الطروحات التي نتلقاها، لا تعبر عن طموحنا على صعيد التمثيل المسيحي، ومن السهل اظهار صراع التيار الحكومي على أنه معركة حقيبة من دون فهم الخلفيات الحقيقية»، بحسب ما يقول النائب ابراهيم كنعان. ويضيف إن البعض يرمي كل المشكلات والعراقيل في سلة العونيين من دون ادراك أهمية الحكومة ودورها بالنسبة اليهم. فوفقا لكنعان، «ستناقش الحكومة المقبلة ملفات مصيرية كقضية النازحين وانعكاس الأزمة السورية على لبنان بحسب نتائج جنيف 2، وتقليص حصة المسيحيين يعني تغييب رأيهم عن هذه الملفات الرئيسية. وقد تضطر الحكومة أيضا في ظرف استثنائي (عدم اجراء الانتخابات الرئاسية) الى تسلّم رئيسها صلاحيات رئيس الجمهورية لتصبح السلطة الفعلية في يد طائفة واحدة دون غيرها». لذلك، يقول كنعان، «يحتم النقص الرئاسي علينا أن نطلب ضمانات أكبر من الطرف الثاني، وخصوصا أن هناك اعتراضات مسيحية على المشاركة في الحكومة، وبالتالي المسؤولية أكبر على المشاركين، لكن كل ما يعرض علينا أقل مما نطلبه». والمفارقة أن العونيين، وفقا لما يرددونه، يعترضون على تشبث طائفة أو حزب بوزارة معينة، وهم أول المنادين بالمداورة. الا أن ذلك لا يعني «الانتقاص من حقوقنا أو عزلنا»، فالعقبة الأساسية «لا تكمن في حقيبة النفط، بل في الحقائب السيادية الأربع (داخلية، خارجية، مالية ودفاع) التي احتكرها الآخرون من دون اشراك المسيحيين فيها». وبحسب كنعان، يرفض الفريق الخصم اعطاء التكتل وزارة سيادية، «ما يصعّب علينا الموافقة على المشاركة وفق هذه الشروط». أما ايهام المسيحيين بصحة تمثيلهم عبر ادراج وزارة الدفاع ضمن حصة رئيس الجمهورية، فيرفضه التكتل لسببين: انتهاء ولاية الرئيس بعد نحو 4 أشهر وعدم ضمان أحد، بمن فيهم الرئيس الحالي والسابق في 25 أيار المقبل، أن يبقى الوزير مؤيدا له بعد خسارته لقب الفخامة ومكوثه في منزله، وخصوصا أن لا حزب سياسياً للرئيس، وبالتالي لا مانع من أن ينضم الوزير الى كتلة تيار المستقبل مثلاً. اذاً، فالمشكلة تتجاوز العدد أو نوع الحقيبة لتصبح مسألة شراكة في الحقائب السيادية، التي تتحكم فعلياً في مفاصل البلد الأساسية. والمطلب هذا، لا يخص التيار الوطني الحر وحده، بل جاء يوم أمس على لسان المطران سمير مظلوم الناطق باسم بكركي.
لا يعير العونيون فعلياً أهمية لوزارة النفط أو الاتصالات في حكومة يفترض أن تنتهي ولايتها عند انتخاب رئيس جديد للبلاد، فلا يلحق الوزير أن يتسلّم ليسلّم من جديد، لكن هواجس أكبر كتلة مسيحية في المجلس النيابي تتفوق على طلبات حلفائها التضحية من أجل حكومة جامعة تمتص الخلافات الطائفية. «فمن يضمن، مثلاً، عدم دفع المسيحيين ثمن التضحيات مرة أخرى، تماماً كما حصل عند التمديد للمجلس النيابي وقائد الجيش؟»، يسأل كنعان. أما الحل، «ففي تفادي ضرب الدور المسيحي في المؤسسات والموقع المسيحي الأول عبر التعهد باجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، لا أن تملأ الحكومة فراغ الكرسي، وصياغة تفاهم سياسي يضمن الحفاظ على التوازنات والشراكة»، فيما كل ما يعرض حاليا على الرابية لا يشمل ضمانات حقيقية باجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، بل يقتصر على فتات حقائب، بعدما كان التيار قد تلقّى وعوداً من حلفاء الحلفاء، في ما خص المداورة وشكل الحكومة المقبلة، ما لبثوا أن نكثوا بها... والسبب هنا ليس جبران باسيل بالطبع!